قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ {٩٢} أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي {٩٣} قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي {٩٤} قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَٰسَٰمِرِيُّ {٩٥} قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي {٩٦} قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا {٩٧}
يذكر اللهُ تعالى ما كانَ منْ أمرٍ بنيَ إسرائيلُ ، حينُ ذهبَ موسى - عليهِ السلامُ - إلى ميقاتِ ربهِ فمكثَ على الطورِ يناجي ربهُ ، جاءهمْ رجلٌ يقالُ لهُ السامري ، والسامري رجل منْ قومِ موسى عليهِ السلامُ ، وقيلَ منْ غيرهمْ واسمهُ : موسى بنْ ظفرَ ، وقيلَ : ميخا ، وبلدتهُ كرمانْ ، وقيلَ : باجرما . هناكَ منْ يقولُ إنهُ لما أمرَ فرعونْ بقتلِ الولدانِ ، قامتْ أمُ السامري بوضعِ السامري في كهفِ حتى لا يراهُ أحدُ فيقتلهُ ، فجعلتهُ في ذلكَ الغارِ إلى أنَ أتى جبرائيلْ ، فصارَ يرضعهُ العسلُ واللبنُ ، وكانَ ذلكَ القولِ ضعيفا إلا أنَ البعضَ أيدَ تلكَ القصةِ بقصةِ انشقاقِ البحرِ فحين أنشقّ البحرُ رأى السامري فرسَ جبريلْ فكانَ كلما وطئ حافر الفرسِ أرضا جرداء صارتْ خضراء فقبضَ السامري قبضةً منْ موضعٍ قدمَ الفرسُ وقدْ جاءَ ذلكَ في الآيةِ {٩٥} من سورة طه : قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي.
أخذُ السامري منْ القومِ ما معهمْ منْ ذهبَ وصاغَ منهُ عجلاً وألقى فيهِ قبضةٌ منْ الترابِ ، كانَ قدْ أخذها منْ أثرِ فرسِ جبريلْ ، حينُ رآهُ يوما أغرقَ اللهُ فرعونْ على يديهِ . فلما ألقاها فيهِ خارَ كما يخورُ العجلُ الحقيقيُ ، وقيلَ بلْ كانتْ الريحُ إذا دخلتْ منْ دبرهُ خرجتْ منْ فمهِ فيخور كما تخور البقرةُ ، فاتخذوهُ آلهةً لهمْ يعبدونهُ ويسجدونَ لهُ تعالى الله و - تقدستْ أسماؤهُ - وصفاتهُ ، قالَ اللهُ تعالى مبينا بطلانَ ما ذهبوا إليهِ: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً}.
وقال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ}؛فذكرَ أنَ هذا الحيوانِ لا يكلمهمْ ، ولا يملكُ ضرا ولا نفعا ، ولا يهدي إلى الرشدِ ، اتخذوهُ وهمْ ظالمونَ لأنفسهمْ ، عالمونَ في أنفسهمْ بطلانَ ما همْ عليهِ منْ الجهلِ والضلالِ .
رجعَ موسى - عليهِ السلامُ - إليهمْ ، فرأى ما همْ عليهِ منْ عبادةِ العجلِ ، ومعهُ الألواحُ المتضمنةُ التوراةُ ، ألقاها ، ويقالَ إنهُ كسرها ، ثمَ أقبلَ عليهمْ فعنفهمْ ووبخهمْ وهجنهمْ في صنيعهمْ هذا القبيحِ فاعتذروا إليهِ ، بما ليسَ بصحيحٍ ، ثمَ أقبلَ على أخيهِ هارونْ وأمسكهُ منْ شعرِ رأسهِ ولحيتهِ وجرهُ بغضبِ قائلاً لهُ: لماذا لما رأيتَ ما صنعوا لمْ تتبعني لتعلمني بما فعلوا ، فقالَ : تركتهمْ وجئتني وأنتَ قدْ استخلفتني فيهمْ ، وقدْ كانَ هارونْ - عليهِ السلامُ - نهاهمْ عنْ هذا الصنيعِ الفظيعِ أشدَ النهيِ ، وزجرهمْ عنهُ أتمَ الزجرُ ، ثمَ أقبلَ موسى على السامري وقالَ لهُ : ما حملكَ على ما صنعتْ ، قالَ : رأيتُ جبريلْ وهوَ راكبُ فرسا فقبضتْ قبضةٌ منْ أثرِ فرسِ جبريلْ ، وألقيتها في العجلِ فكانَ ما كانَ . يعتقد بعضُ الباحثينَ والعلماءِ المسلمينَ أنَ السامري هوَ الدجالُ بالاعتمادِ على قصةِ سيدنا موسى - عليهِ السلامُ - وذلكَ لأنهُ يلاحظُ أنَ السامري عندهُ قدراتٍ ليستْ عاديةً ، فهوَ يرى جبريلْ عليهِ السلامُ ، ( قالَ بصرتْ بما لمْ يبصروا بهِ ) ، فهوَ يرى ما لا يراهُ الناسُ ، يرى الملائكةُ ، وهذا هوَ حالُ المسيحِ الدجالِ ( لأنَ المسيحَ الدجالَ عندَ خروجهِ يأتي المدينةَ المنورةَ فيرى الملائكةُ على أنقابها تحرسها بالسيوفِ ) ، بالإضافةِ إلى أنهُ حولَ العجلِ الذهبيِ إلى عجلِ حيٍ ( حيثُ إنهُ لا يستطيعُ أيَ أحدٍ منْ بني آدمْ أنْ يحولَ المادةَ إلى كائنٍ حيٍ ، ولا حتى في هذا الزمانِ حيثُ العلومُ المتقدمةُ ) ، وهذهِ القدراتُ غيرُ موجودةٍ إلا عندَ المسيحِ الدجالِ ، وعندَ منْ شاءَ اللهُ - عزَ وجلَ - منْ الأنبياءِ عليهمْ السلامُ ، فقدْ كانَ عيسى عليهِ السلامُ يخلقُ منْ الطينِ كهيئةِ الطيرِ فينفخُ فيهِ فيكون طيرا بإذنِ اللهِ ، وكانَ عليهِ السلامُ يحيَ الموتى بإذنِ اللهِ ، والسامري يعلمُ أنَ موسى عليهِ السلامُ رجل قويٍ ولهُ هيبةٌ ، ولكنهُ لا يخشاهُ ، بلْ يجادلُ ويصرُ على الجريمةِ لأنهُ يعلمُ أنَ موسى عليهِ السلامُ لا يستطيعُ أنْ يؤذيهُ . وهذا ما حدثَ ، لمْ يستطعْ موسى عليهِ السلامُ أنْ يعاقبهُ !
بلْ قالَ لهُ: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:97].
عجبا!! اذهب دون عقاب، دون جزاء، هارون البريء يجر من شعر لحيته ورأسه، والسامري المجرم يقال له (اذهب)
وتلك الكلمة (اذهب) هي نفسها التي قالها الله -عز وجل- لإبليس: {قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا} [الإسراء: 63]. هذا إبليس يُقال له (اذهب)، ويُنظر إلى يوم الوقت المعلوم، والسامريُّ يقول له موسى عليه السلام (اذهب).
يشيرَ بعضُ الباحثينَ والفقهاءِ إلى ثلاثِ نقاطٍ رئيسيةٍ وجبَ تسليطُ الضوءِ عليها في تلكَ القصةِ ألا وهيَ على الترتيبِ الآتي :
أولاً : موسى حينَ نزلَ منْ الطورِ إلى قومهِ ورأى ما رأى وبخَ قومهُ وغضبٌ على أخيهِ غضب شديدٍ حتى أنهُ أمسكهُ منْ لحيتهِ ورأسهِ لكنَ حينَ التفتَ إلى السامري لمْ يقمْ سوى بمخاطبتهِ.
ثانيا : إنَ موسى حينَ حكمٍ على السامري قالَ لهُ أذهبُ وفي ذلكَ الحكمِ شبهٍ بالغٍ منْ حكمِ اللهِ على إبليسِ حينَ قالَ لهُ أذهبُ.
ثالثا : لمْ يحكمْ موسى على السامري سوى أنْ قالَ لهُ أذهبُ أنَ لكَ موعدا لنْ تخلفهُ وفي مواضعِ أخرى منْ القرآنِ قالَ موعدٌ معَ غيري وكانَ سيدنا موسى - عليهِ السلامُ - يعلمَ أنَ السامري هوَ الدجالُ وأنَ لهُ موعدا معَ نبيِ اللهِ عيسى - عليهِ السلامُ - . لا يمكننا الجزمُ بهذا الكلامِ فالعلمُ دائما وأبدا للهِ تعالى وحدهُ لكنْ ما لا شكَ فيهِ هوَ أنَ السامري أحدَ الدجالينَ الكثرِ.
في عامِ 2005 ظهر للعالمِ لوحةً نقشتْ على البازلتِ كانتْ قدْ اكتشفتْ في أذرعاتْ جنوبيَ سوريا وقدْ نقلتْ منها إلى الإماراتِ لتباعَ هناكَ ، وفي تلكَ الأثناءِ حصلَ الشيخُ الدكتورُ أحمدْ عبدِ الكريمْ الجواهري على صورةٍ لتلكَ القطعةِ الأثريةِ حيثُ أثارتْ فضولهُ وقررَ اكتشافها ليظهرَ للعالمِ بتفسيرِ تلكَ المنحوتةِ العجيبةِ التي سميتْ فيما بعدُ بلوحةِ النقشِ العجيبِ وبثنائيةِ موسى والدجالَ احتوتْ تلكَ المنحوتةِ العجيبةِ على عشرةِ نقوشٍ رسمتْ بطريقةِ الإخفاءِ والتداخلِ فيمكنُ للناظرِ إلى هذهِ اللوحةِ أنْ يرى في كلِ وضعِ منْ الأربعةِ أوضاعِ صورٍ مختلفةٍ بالإضافةِ إلى أنَ لكلِ وضعٍ يوجدُ عدةَ صورٍ متداخلةٍ وقدْ احتوتْ تلكَ المنحوتةِ العجيبةِ على وجهينِ سنأتي على ذكرهما وتفسيرهما حسبَ اشتهاداتْ الشيخُ الجوهريُ أيضا بعونِ اللهِ
الوجهِ الأولِ : الذي تظهرهُ اللوحةُ في الوضعِ ( أ ) ، وهوَ وجهُ الرجلِ الباكي ، الذي على خدهِ أفعى وعندهُ رأسُ بقرةٍ ، هوَ نقشٌ لنبيِ اللهِ موسى - عليهِ السلامُ - وذلكَ لعدةِ دلائلَ كانَ قدْ بينها لنا الجوهريُ :
أولاً : أظهرَ النقشُ صورة رجل قوي ضخم مهاب يعتقدُ بأنهُ موسى والأدلةُ على ذلكَ كثيرٌ منْ القرآنِ والسنةِ ، ففي القرآنِ دليل على قوتهِ كما قالَ تعالى {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} [القصص:15].
أما في السنةِ النبويةِ ففي حادثةِ الإسراءِ والمعراجِ قابلٍ النبيِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ - سيدنا موسى - عليهِ السلامُ - ووصفهُ لأصحابهِ فقالَ : عنْ أبي هريرة - رضيَ اللهُ عنهُ - قولُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ :
((رأيت موسى وإذا هو رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ كأنه من رجال شنوءَة)) [رواه البخاري].
وشنوءَة: قبيلة كانت في أقصى جنوب الجزيرة العربية، ومن صفاتهم أنهم غلاظٌ شداد فيهم طول القامة .
ثانيا : الأفعى على خدهِ ، أنَ موسى - عليهِ السلامُ - هوَ النبيُ الوحيدُ الذي كانتْ منْ معجزاتهِ الأفعى ، حيثُ تحولتْ عصاهُ أكثرَ منْ مرةٍ إلى أفعى ، وكانتْ هيَ سببُ نصرهِ على السحرةِ أمامَ فرعونْ : {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى# قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى# قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى# فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: 17-20].
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الشعراء:32].
{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:]
ثالثا : رأسُ البقرةِ المذبوحةِ نلاحظُ أنَ الصانعَ للنقشِ أظهرَ العظمتينِ اللتينِ تظهرانِ في الحلقومِ عندَ ذبحِ الأنعامِ ، وهذا دلالةً على أنَ البقرةَ مذبوحةٌ.
وكان قد أمر موسى عليه السلام ذات مرة بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة بأمـر من الله عز وجـل: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُـواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِـنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67].
رابعا : هذا الدليلِ يظهرُ عندَ قلبِ الصورةِ رأس على عقبِ حيثُ يظهرُ لنا أربعةِ نقوشِ ثلاثةِ منهمْ همْ أعداءُ موسى - عليهِ السلامُ - .
-في النقش الاول: صورة المصري الفرعوني وهي إشارة إلى فرعون الذي كان يريد قتل موسى عليه السلام: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26].
-وفي النقش الثاني والثالث: صورتا القرد الأعور والخنزير الأعور تشيران إلى الذين اقترفوا جريمة الاعتداء يوم السبت، وخالفوا أوامر الله عز وجل بعدم الصيد من البحر، وهم كذلك من بني إسرائيل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].
{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [المائدة 60]
خامساً: تم تفسير الكتابات التي تشكل شعر الرأس للنقش الأول وقد أختار الجوهري ثلاثة أحتمالات من تلك التفسيرات وهم على الترتيب :
-التفسير الاول:《طبن-لهع》
"طبن تعني الرجل الفطن العالم بكل شيء".
و"لهع تعني المسترسل او المتفقه بالكلام او من فيه فتور او كسل".
-التفسير الثاني:《طبن-لسع》
"لسع هنا تعني الملسوع وهي من لسع يلسع ملسوع".
-التفسير الثالث:《طبن لهج》
"لهج هنا تعني طرف اللسان وهي اللهجة التي يتحدث بها الشخص".
وحسب اعتقاد الجوهري فأن هذه القراءات الثلاثة تشير إلى -موسى عليه السلام-، لأنه كان نبياً مرسلاً عالماً حاذقاً من أولي العزم (جاء في تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} [الزخرف:49]، أي: يا أيها العالم الكامل الحاذق، وكان همه تبليغ رسالة ربه عز وجل، وكان في لسانه فتور وعقدة تمنعه من أداء الرسالة بيسر وسهولة وقد قال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي# وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي# وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي# يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25-28]
وقال أيضاً: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} [القصص 34].
جاءَ في الرواياتِ أنَ موسى - عليهِ السلامُ - عندما كانَ طفلٌ صغيرٌ يتربى في قصرِ فرعونْ شدَ لحيتهِ بقوةِ فأرادَ فرعونْ أنْ يذبحهُ لأنهُ يرى هلاكهُ على يدِ هذا الطفلِ ، فقالتْ لهُ امرأتهِ أسيهْ : لا تقتلهُ إنهُ طفلٌ لا يفرقُ بينَ التمرةِ والجمرةِ ، فوضعوا لهُ تمرةٌ وجمرةٌ ، فأخذَ الجمرةَ بتوفيقٍ منْ اللهِ - عزَ وجلَ - فوضعها في فمهِ فلسعَ لسانهُ ، فكانَ في لسانهِ - عليهِ السلامُ - لثغةٌ ، وقدْ قالَ فرعونْ لقومهِ عندما جاءهمْ موسى - عليهِ السلامُ - بالرسالةِ منْ اللهِ عزَ وجلَ: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52].
وذلك الرجل الذي في النقش كتب فوق رأسه، أنه عالم، حاذق، في لسانه ثقل وفتور أو لسعة، وفي هذه الحالة يكون معروفا أنه موسى -عليه السلام-.
الوجه الثاني: يعتقد الجوهري أن الذي تظهره اللوحة في الوضع (ب) وهو الشاب صاحب العين الواحدة، أنه المسيح الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الجوهري صفات الدجال كما وردتنا عن رسول الله في الأحاديث الشريفة:
اولاً : ورد في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنهما، الذي رواه الإمام مسلم في «صحيحه»: «إنه شابٌ قطط»، ويبدو الرجل في النقش شاب في العقد الرابع تقريباً..
ب- وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صفة جبهة الدجال أنه [أجلى] كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنهما الذي رواه الإمام أحمد في «مسنده»، وهذا يظهر في النقش أن جبهة ذاك الرجل عريضة.
ج- وأورد الإمام مسلم فـي «صحيحه» من حديث أنس بن مالـك رضي الله عنهما أنه مكتوب بين عينيـه (ك ف ر). وهذا موجود كذلك في النقش، وهي عبارة عن علامة بارزة في جبهة الدجال.
د- وجاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند الطبراني: «كأن شعره أغصان شجرة». وهذا يظهر جلياً في تصوير شعر الدجال من خلال النقش.
هـ- ووقع عند الطبراني وأحمد من حديث عبد الله بن مغفل وسمرة بن جندب رضي الله عنهما: «أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة». والعين التي تظهر للدجال في النقش هي اليمنى وعليها ظفرة غليظة.
و- وعند البزار من حديث الفلتان بن عاصم رضي الله عنهما: «عريض النحر». وهذا يتضح جلياً في النقش بأن رقبة الدجال عريضة
ثانياً: في تفسير الكتابات التي تشكلها لحية الرجل في النقش يظهر لنا الجوهري احتمالان اعتبرهما الاقرب للصواب وهما:
أ- "جهل-نسب": الرجل مجهول النسب .
ب- "جهل-نبح": الرجل الذي صفته النباح .
أثارَ رأيُ الجوهريِ موجةً منْ السخريةِ فالكثيرُ اعتبرهُ مجنونا خصوصا أنهُ كانَ يعتبرُ السامري هوَ الدجالُ وعلى الرغمِ منْ الأدلةِ التي أظهرها للعالمِ إلا أنَ تفسيرهُ لمْ ينلْ الاهتمامُ الكافي منْ قبلِ العلماءِ والباحثينَ وحتى إعلاميا لمْ يذكرْ البتةَ وظلتْ أطروحتهُ تلكَ طيُ الكتمانِ .
يشير الجوهري الى أن السامري الذي أضل بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام هو المسيح الدجال وهو ايضا عدو موسى، فيقول هذا الرجل صنّعه إبليس، وهو شريكه في إغواء الناس والفساد في الأرض، وهو رجل منظر من المنظرين الذين قال الله عز وجل عنهم: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ# قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ# إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [ص:79-81].
ويقول الجوهري في تأكيد وجهة نظره أن موسى عليه السلام كان شديدا عنيفا مع أخيه هارون البريء في حادثة العجل، وهارون ليس له ذنب في تلك الفتنة العظيمة، فكيف الحال مع السامري المجرم المذنب، نحن نتوقع أن يقوم موسى عليه السلام بقتله، أو تعذيبه عذاباً شديداً، ولكن العجب العجاب أن الأمر مختلف تماماً، فنجد موسى عليه السلام يخاطب السامري بهدوء ولين:
{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ# قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه:95-96
عذر أقبح من ذنب، صنع عجلاً من ذهب، ثم أخذ قبضة من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام ، وألقاها على العجل الذي من ذهب، فدبت فيه الحياة، وصار له خوار، وقال بنو إسرائيل هذا هو إلهنا وإله موسى، وإن موسى نسي أن هذا هو الإله، وقد ساق المفسرون - رحمهم الله - أقوالاً لا تستقيم في تفسير هذه الآية حيث قالوا: إن موعدك يوم القيامة وحسابك عند الله! كيف ذلك ولو صح هذا القياس لقلنا للسارق والقاتل والمجرم: اذهب فإن موعدك يوم القيامة ولا عقاب في الدنيا، وهل يُعقل أن موسى عليه السلام يرمي الألواح المقدسة ويبطش بأخيه هارون البريء، ثم يقول للسامري المجرم اذهب، هكذا بهذه البساطة، ثم إن الذين وقعوا في فتنة عبادة العجل من قوم موسى عليه السلام ، كانت عقوبتهم أن يقتلوا أنفسهم، فامتثلوا لأمر الله عز وجل فقتل بعضهم بعضاً، ثم تاب الله عليهم: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:54].
أما السامريُّ الذي (هو المسيح الدجال) فإن له موعداً سيلاقيه في الدنيا قبل يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف:152].
في الختام أن الله أعلام بذلك منا، وأن تصديقنا لهذا الكلام او تكذيبنا له لن يضر ولا ينفع، أنما ما يجب أن نؤمن به أن الدجال قادم لا محال في موعد بات قريبا جدا، وأن ما يجب علينا فعله هو اتباع القرآن والسنة واداء الفروض والتقرب من الله تعالى حتى لا تصيبنا فتنة الدجال فتعمى بصائرنا فنهلك كما اهلك الله اقواماً من قبل.
رابط مدونة الشيخ أحمد عبد الكريم الجوهري
شاركنا رأيك في هذا المقال في قسم التعليقات او في صفحتنا الرسمية على الفيسبوك